
مؤكداً أن الاقتصاد الإسلامي حذر منها قبل حدوثها
عبد الهادي حبتور من جدة
أوضح الدكتور محمد بن علي القري أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز الذي كان يتحدث في محاضرة نظمتها "ديوانية جدة" أمس الأول وقدمها الدكتور مقبل بن صالح الذكير أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز أن "أمولة" الاقتصاد العالمي هي السبب الرئيس لأزمة الائتمان العالمي مضيفا بأنها المسؤولة عما وصلت إليه الأمور في الوقت الراهن وخلق الأزمة المالية العالمية.
صالح السريع ومحمد القري ومقبل الذكير وخالد الفوزان.
ولفت أستاذ الاقتصاد إلى أن القطاع المالي أصبح المحرك الأول والمتحكم في السياسات الاقتصادية والنقدية للدول عبر تحقيق أرباح تفوق بأضعاف تلك التي يحققها الاقتصاد الحقيقي المعتمد على إنتاج السلع والخدمات، وبين القري أن هناك ثلاثة مفاهيم واتجاهات شكلت التطور الاقتصادي في العالم منذ منتصف الثمانينيات الميلادية. وقال الدكتور القري "الاتجاه الأول هو العولمة أو ما يسمى Globalization، والثاني الاعتماد على اقتصاديات السوق أو liberalization، وهناك اتجاه ثالث كان ينادي به الاقتصاديون منذ التسعينيات ولم يلق الاهتمام إلا في خضم الأزمة الحالية وهو ما يسمى بـ "أمولة" الاقتصاد Financialization، أي أصبح القطاع المالي هو أهم القطاعات في الاقتصاد،
حسام القحطاني ووليد البيز ومحمد الشهري خلال اللقاء.
وأصبحت الأرباح التي يحققها أكثر بكثير من تلك التي تحققها القطاعات الأخرى، والمؤسسات العاملة في هذا القطاع هي من يشكل السياسات الاقتصادية والنقدية في أي دولة وهنا مكمن الخطورة". وتابع الدكتور القري "لو نظرنا إلى أرباح الشركات في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2006 لوجدنا أن 50 في المائة من هذه الأرباح حققتها الشركات المالية، الأمر الذي أدى إلى رغبة شديدة لدى الشركات بصفة عامة إلى تكوين أدوات وأذرع مالية خاصة بها، وهو ما شكل ضغطا كبيرا على الاقتصاد الحقيقي وإنتاج السلع والخدمات، وألقى ذلك بأثره في شركات القطاع الحقيقي التي وجدت نفسها غير قادرة على الاستمرار من دون ذراع مالية". وضرب القري مثلاً بأن شركة جنرال موتورز الأمريكية حققت أكبر أرباحها في القطاع المالي، كما أن 90 في المائة من أرباح شركة فورد ليس في صناعة السيارات وإنما من تمويل السيارات، مبيناً أن العامل الثاني الذي ضغط على الاقتصاد الحقيقي هو قوة العمل فمن المسلم به لدى الاقتصاديين أن ارتفاع الإنتاجية يترتب عليه ارتفاع الأجور، وتابع الدكتور القري "منذ الثمانينيات الميلادية أصبح ارتفاع الإنتاجية في أمريكا يسير بشكل مطرد، فيما لم يقابله أي ارتفاع في الرواتب الحقيقية فهي إما ثابتة أو تنخفض ومن أهم معالم ذلك القضاء على النقابات العمالية أو إضعافها لكي لا تؤدي عملها بالشكل المطلوب".
رائد المديهيم وصالح السبيعي.
ولفت القري إلى أن عدداً من شركات القطاع الحقيقي وجدت نفسها غير قادرة على مجاراة نظيرتها في القطاع المالي إلا عن طريق التلاعب و"الفبركة" وهذا الاتجاه هو من أوصل السياسة المالية في البنوك المركزية في العالم استهداف شيء واحد يسمى "التضخم"، ومحاولة السيطرة على معدلاته مستقرة، والمستفيد الأكبر من هذه السياسة هو القطاع المالي والذي تضرر بالأزمة الحالية أكثر من أي قطاع آخر. "هذه السياسة المتبعة والأرباح الهائلة "غير الحقيقية" التي حققها القطاع المالي، أديا إلى تحويل كل شيء إلى أداة مالية يمكن تداولها في السوق، وليس أدل من ذلك ما يسمى بالتأمين على السندات الذي قضى على شركة AIG الأمريكية، ثم ازدادت هذه الأوراق التي هي عبارة عن "هواء" إلى 68 ترليون دولار أمريكي، بينما الاقتصاد الأمريكي كله يشكل 14 ترليون دولار، وبمعادلة بسيطة عندما تأتي بقطاع مالي من المشتقات المالية تقدر قيمته بـ 68 ترليون دولار، يصبح الاقتصاد الحقيقي في هذه الحالة لا قيمة له الأمر الذي أوصل العالم إلى هذه الحالة التي حذر منها الاقتصاد الإسلامي حتى قبل حدوث الأزمة".
حامد العرفج والزميل سعود التويم
وشدد الدكتور محمد القري على أن العالم يعيش اليوم في خضم أزمة مالية لم يشهد لها العالم مثيلا من قبل، ويجب التنبه للطريق الذي ينبغي أن تسلكه المصرفية الإسلامية وما ستقدمه للعالم من أفكار وتجارب تسهم في احتواء وحل الأزمة الحالية وقال "الاقتصاد الإسلامي هو محاولة من الاقتصاديين لاستخدام المعرفة الاقتصادية لإثبات أن ما جاء في الشريعة صحيح ومن الأشياء التي كتب عنها بعض الاقتصاديين أنه إذا سمح بالتعامل الربوي والمعاملات التي تقوم على التجارة في الديون "التي تعد وجها آخر للتعامل الربوي" فإن ذلك يؤدي إلى أمر في غاية الخطورة وهو انفصام الاقتصاد إلى قطاع مالي وآخر حقيقي، فالقطاع المالي تصبح له فعالياته الخاصة به بحيث يمكن أن ينمو في معزل عن القطاع الحقيقي ويؤدي إلى عدم الاستقرار كما حدث في العالم أخيراً".
جانب من حضور المحاضرة.
وتابع القري "بينما إذا طبقنا قاعدة مهمة جدا وبسيطة ولكنها من أساسيات الاقتصاد الإسلامي وهي أن النقود في حد ذاتها ليست سلعة وإنما هي وسيط في التبادل، فكلما كان هناك تبادل للنقود يجب أن يكون أمام ذلك إما سلعة أو خدمة حقيقية وليس نقودا أخرى، وهنا نكون قد أغلقنا الباب أمام بيع الديون وأمام عدم الاستقرار وتأكدنا من أنه لا يمكن أن يتكون قطاع مالي له فعالياته الخاصة يمكن أن يكون أرباحا بمجرد مرور الوقت". وعن كيفية ترجمة هذه النقاط في الاقتصاد الإسلامي إلى استراتيجيات وسياسات قابلة للتطبيق في عالم اليوم، بيّن أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز بقوله "أهم ما يمكن أن ننظر إليه هو مسألة المشتقات المالية وهي عقود ليست مقصودة بحد ذاتها لكنها مقصودة لإدارة المخاطر في عقد آخر، على سبيل المثال تاجر يستورد سيارات من ألمانيا ويستطيع تحمل المخاطر في هذا النشاط، لكن من الممكن أن يستورد السيارات على افتراض تكلفتها وتسويقها بمبلغ معين، ثم عندما يحين موعد دفع المبلغ للمصدر يتغير سعر الصرف وتتبخر أرباحه فجأة، وهو ما يوجب عليه البحث عن عقد مشتق لا علاقة له بمجال عمله في السيارات وإنما لاحتياجه إلى الحماية من تقلبات الصرف". وأردف القري "هذه المشتقات عندما ظهرت كان في ذهن جميع المتعاملين فيها أنها مشتقات فقط وليس تجارة مقصودة في حد ذاتها وإنما فقط لأولئك الذين لديهم أعمال تحتاج إلى حماية بسبب تقلبات أسعار الصرف العالمية، لكن عندما انقلبت إلى تجارة وأصبحت لها أسواق يتداول فيها، ولها أناس يستثمرون فيها، ولها فعاليات وأرباح تجنى بمجرد العمل فيها. ورغم كثرة أسئلة الحضور تمكن الدكتور والخبير الاقتصادي مقبل الذكير أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز من إدارة اللقاء بجدارة واستحق تقدير الحضور لما يتمتع به ثقافة اقتصادية عالية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق