قرية رجال ألمع السعودية تحلم بالانضمام إلى لائحة التراث العالمي
يحلم أبناء قرية رجال ألمع السعودية بالانضمام إلى لائحة الأماكن المصنفة ضمن التراث العالمي، مثل جرش الأردنية، وأصيلة المغربية، نظراً لتاريخها الذي يعود إلى عشرة قرون خلت، وخصوصاً طابعها المعماري الفريد.
ويقول علي مغاوي، وهو أديب وشاعر من القرية الواقعة أسفل جبال السراة في جنوب غرب المملكة: “نأمل أن تصبح قريتنا مثل جرش وأصيلة والمناطق التراثية المعروفة لكي نحفظ التراث”.
ويطلق السكان في القرية الواقعة في منطقة عسير على التراث المعماري تسمية “العسيري القديم”، لكنه مشابه جداً لأشكال العمارة اليمنية، نظراً للقرب الجغرافي والتداخل بين المكانين.
ويتراوح حجم العمارة بين طبقتين وخمس طبقات في القرية التي يبلغ عدد سكانها بضعة آلاف، ويخترقها شارع رئيسي واحد تتفرع منه أزقة.
يضيف مغاوي لوكالة فرانس برس أن الطراز المعماري “كان فريداً. فالمباني كانت عبارة عن مساكن ومحلات تجارية في آن واحد، كانت العائلة تسكن في طبقة وتبيع الطبقة الثانية. لذلك تجد عائلات عدة في مسكن واحد”.
ويتابع “لم يكن هناك توتر وتشدد كما الحال اليوم، من خلال تخصيص مدخل للنساء وآخر للرجال (…) كنا نعيش الحياة ونتشاركها مع النساء بشكل طبيعي وجميل”.
قبل حوالى 950 عاماً كانت القرية “عاصمة لموسى الكناني الذي استولى على إمارة حلي بن يعقوب التي امتدت إلى مدينة حلي والقنفذة (…) نحن نتحدث عن مكان شكل عاصمة في ذلك التاريخ”.
كذلك كانت مركزاً علمياً وثقافياً يقصده طالبو العلم من كل المناطق المجاورة، بالإضافة إلى أنها “كانت مركزاً تجارياً تصله القوافل من موانئ عدة، فتفرض عليها رسوم جمركية قبل أن تنطلق من ثم البضائع باتجاه أماكن كثيرة حولها”، بحسب قوله.
وعلى الرغم من أن قبيلة كبيرة تسكنها حالياً، إلا أن أهلها كانوا يعيشون طابعاً مدنياً في الأزمنة الغابرة وفقاً لمغاوي.
ويؤكد في هذا السياق أن: المدنية كانت جلية في الأسواق الموجودة آنذاك، بالإضافة إلى ما يشبه الفنادق التي كانت تسمى “معزبات”، كما كان الأهالي يمارسون الحرف اليدوية التي رفضتها القبائل”.
شيدت الأبنية جميعها على نظام الأجنحة، أي الغرفة والصالة ودورة المياه.
وكذلك كانت هناك صباغة وحياكة فضلاً عن الأسواق التي كانت تقام أيام الإثنين والخميس والجمعة.
لكن الأسواق توقفت بعد الطفرة النفطية وانتقال سكان الريف إلى المدن.
وسعياً وراء تحقيق حلمهم، قرر السكان جمع التراث الموجود في المنازل وأودعوه احد الحصون القديمة الذي تحول إلى متحف يحمل اسم حسن آل علوان، حيث تعرض أكثر من 2800 قطعة تتضمن أدوات زراعية وحربية وأسلحة، إلى جانب الحلي الفضية والحبوب والصناعات اليدوية والألبسة والأدوية الشعبية وأدوات البناء والحيوانات المحنطة.
ويوضح مغاوي “كانت الفكرة في بدايتها تهدف فقط إلى حفظ التراث، لكن فجأة توافد الزائرون إلى المتحف. فقمنا بإصدار تذاكر دخول بعشرة ريالات (2.70 دولار) بهدف توظيفها في حماية هذه المباني الأثرية”.
من جهته، يقول محمد طرشي الصغير الذي تجاوز العقد الثامن من عمره، أن القرية غير البعيدة عن البحر الأحمر كانت “بلد علم وتجارة وحضارة وتراث”.
ويتابع “حصلت على شهادة الابتدائي قبل 73 عاماً من مدرسة حسان بن ثابت ثاني التي كانت قد شيدت في منطقة عسير”.
يشار إلى أن عسير تنقسم إلى الجزء السروي نسبة إلى الجبال، وتهامة المتمثلة في الأودية والسهول الغربية المتجهة نحو البحر.
ويضيف قائلاً لوكالة فرانس برس بينما راح يطيل النظر إلى أحد الأبنية القديمة “زملائي توظفوا كمدرسين بشهادة الابتدائي في ذلك الوقت، لكنني لم ارغب في الوظيفة لان والدي كان تاجرا يملك ثمانية جمال. كانت الأسواق تعج بالتوابل والبن والهال والحبوب والسمن والعسل والجلود”.
ويشير إلى “تقليد إيجابي كان شائعاً آنذاك، وهو إقراض أي شخص من القبيلة إذا تعرض لمشكلة”.
وينقسم المتحف إلى غرف صغيرة ضيقة تتوزع فيها القطع والمخطوطات الأثرية بشكل فائق الترتيب، من بينها قسم أدوات التأديب الاجتماعي في ذلك الوقت وأشهرها “الجدلة”، أو الخشبة التي توضع فيها الأرجل بشكل متواز، ثم يغلق عليها بإحكام.
كذلك يضم قسماً لملابس النساء والرجال، وأدوات الطبخ والحلي الفضية والأسلحة، من أبرزها الرمح الرديني الذي صنتعه امرأة تدعى ردينة لحبيبها لكي يدافع عن نفسه في العصر الجاهلي، فضلاً عن بندقية تسمى “النبوت” يصل مداها إلى ثلاثة كيلومترات.
ومن أشهر الفنون الشعبية في القرية رقصة الدمة والعرضة، ثم الخطوة بأنواعها. وعلى الرغم من أن الأخيرة هي لعموم منطقة عسير، إلا أنها هنا تختلف في سرعة الإيقاع وشكل الأداء وهي روح الليل عند السامرين. ومن ثم تأتي الربخة والمزمار اللذان يعتبران شكلين جماعيين، بالإضافة إلى الإلعاب الفردية، مثل السيف والدوس وطرق الجمال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق