الأربعاء، 6 مايو 2009

محللون يتساءلون: من يدير الصناديق الاستثمارية في البنوك السعودية؟

عبد الهادي حبتور من جدة تباينت وجهات نظر الخبراء والمحللين الماليين فيما يخص إدارة الصناديق الاستثمارية في البنوك السعودية، ومدى تأهيل مديريها وقدرتهم على استثمار أموال المستثمرين وفقاً لرؤية ثاقبة وخطط احترافية تقرأ الأسواق وأوضاع الشركات على الوجه الصحيح وفي التوقيت المناسب. ففيما رأى بعض الخبراء أن كثيرا من مديري الصناديق الاستثمارية في البنوك السعودية لا يملكون التأهيل اللازم لإدارة مثل هذه الاستثمارات عطفاً على نتائج بعض الصناديق والصعوبات التي واجهتها خلال الفترة الماضية، أكد اقتصاديون آخرون أن البنوك السعودية استقطبت في الفترة الأخيرة كفاءات مالية عالية المهنية والاحتراف لإدارة صناديقها الاستثمارية، لا سيما بعد أن أجبرت الأزمة الاقتصادية العالمية كثيرا من هذه الكفاءات على مغادرة بعض الدول المجاورة. كما اختلف الخبراء أنفسهم بخصوص وجوب نشر أسماء مديري هذه الصناديق الاستثمارية من عدمه، حيث يرى البعض أن عدم معرفة بيانات هؤلاء المديرين يتعارض مع مبادئ الشفافية والإفصاح التي من المفترض أن تنتهجها البنوك، إضافة إلى أن المستثمر من حقه معرفة من يدير أمواله وبأي طريقة تدار هذه الأموال، بينما يرى خبراء آخرون عدم الإعلان عن أسماء المديرين مرجعين ذلك إلى أنهم يعملون في بيئة عالية الخطورة، وكشف أسمائهم من شأنه تعريضهم للأذى من بعض عامة الناس الذين لا يدركون ماهية أعمالهم. ما الشروط المطلوبة؟ تحدث في البداية غسان بادكوك الخبير الاقتصادي مبيناً أن هناك عدة اشتراطات يجب توافرها فيمن يشغل منصب مدير صندوق استثماري أهمها التأهيل العلمي والخبرة العملية، وقال "بالتأكيد هناك اشتراطات عديدة تضعها البنوك السعودية لإدارة الصناديق الاستثمارية، بالنسبة إلى مديرين الصناديق يتعلق الأمر بمدى الخبرة التي يمتلكها هؤلاء من حيث التأهيل، وبلا شك ستحرص جميع الشركات والبنوك على استقطاب أفضل المديرين تأهيلاً – كشهادات - ولكن الأمر لا يتوقف فقط على التأهيل العلمي في مثل هذا النوع من الوظائف المتعلقة بإدارة رؤوس الأموال، فلابد أن يملك شاغل هذه الوظيفة ما يكفي من الخبرة العملية في مؤسسات مالية رئيسة، إضافة إلى سجل حافل بإنجازات تحقيق عوائد مجزية على رؤوس الأموال وذلك قبل أن يتم الاعتماد عليهم في إدارة الأموال أو الصناديق". وعن حجم أسماء مديري الصناديق الاستثمارية أشار بادكوك بقوله "أعتقد أنه من غير المناسب الإعلان عن أسماء مديري الصناديق لأنهم في هذه الحالة سيتعرضون لكثير من التساؤلات المباشرة من العملاء في حين أن علاقتهم يجب أن تكون مع المؤسسات التي ينتمون إليها أكثر من علاقتهم بالعملاء مباشرة، وحتماً إن اتصالاهم المباشر بالعملاء سيعرضهم لضغوط لا سيما عند حدوث اضطرابات في الأسواق كتلك التي حدثت في الفترة الأخيرة". غياب المعلومات من جانبه، يتساءل الدكتور علي دقاق الخبير والمحلل المالي عن مؤهلات وكفاءة مديري الصناديق الاستثمارية في البنوك مؤكداً وجود أي معلومة تبين ذلك، وأضاف "نحن لا نعلم عن مؤهلات مديري الصناديق ولا يتم الإعلان عنها، في الوقت نفسه نتائج الصناديق الاستثمارية للبنوك لا تؤكد أن هناك مهنيين يديرونها، عدم الإفصاح والشفافية في توضيح أسماء هؤلاء أمر غير مقبول، من المفترض توضيح أسماء ومؤهلات وخبرات مديري الصناديق للمستثمرين كافة، كما يجب وضعها على المواقع الرئيسة للبنوك لكي يطلع عليها من يرغب في ذلك، لا نجد مبرراً للتخوف من هذه الناحية". وتابع الدقاق "إذا تتبعت أداء هذه الصناديق ستجد أن الجهات المفترض الاستثمار فيها لا يتم الاستثمار فيها بالشكل المطلوب، ومن حق من تأخذ أموالهم لتشغيلها معرفة تجارب وخبرات الشخص الذي يدير ويستثمر هذه الأموال نيابة عنهم، ومن ثم فإن المستثمر هو من يقرر الاستمرار في الصندوق من عدمه، لكن للأسف حتى الآن لا توجد معايير محددة للأشخاص الذين يجب أن يديروا الصناديق الاستثمارية في البنوك فنظام هيئة السوق المالية ينص على أن أي صندوق يجب أن يكون عليه مستشار، وفي أقل الأحوال من حقنا معرفة من هو المستشار، وليس من المقبول أن تقول لي اسم مستشار للبنك بأكمله، يجب تحديد مستشار الصندوق فقط وهو ما نفتقده في بنوكنا". ولفت الدكتور علي إلى أن الحديث عن الصناديق الاستثمارية شبه مستحيل في ظل غياب المعلومات الكافية عن القائمين عليها، واستطرد "يكثر عدد هذه الصناديق وتتنوع فمنها ما هو شرعي ومنها ما هو غير شرعي، وأسهم أمريكية وأخرى أوروبية ويابانية كل ذلك يؤكد الحاجة إلى خبراء كثر، لكن معرفة هؤلاء الخبراء هو الجزء الأهم الذي يفكر فيه المستثمر من وجهة نظري". إلى ذلك، يوافق الدكتور ياسين الجفري الخبير الاقتصادي وعميد كلية الأمير سلطان للإدارة على حديث دقاق فيما يخص غياب المعلومة والخلفية الكافية للحكم على أداء ومسؤولي الصناديق الاستثمارية في البنوك السعودية، ويقول "من المفترض أن يكون مديرو الصناديق مؤهلين لأن المدير هو المسؤول عن قرار الاستثمار وبالتالي الدخول أو الخروج في استثمار ما، كما يفترض أن تكون لديهم خلفية وخبرة في الإدارة، وللأسف لا يمكننا الحكم على مديري الصناديق في البنوك السعودية لعدم وجود الخلفية الكافية عنهم". البنك والمستثمر وأردف الجفري "مدير الصندوق عادة ما يكون البنك نفسه، ثم يعين مستشارين يقومون بأكثر من دور في الصندوق، فهناك عملية التسويق وبيع الحصص وإدارة النقدية والكاش داخل الصندوق، ثم قرار الاستثمار ودخول الشركات وآلية الدخول والخروج وما يباع وما يحتفظ به". أما عن عدم إعلان أسماء مديري الصناديق يشير الدكتور ياسين إلى أن المشكلة تكمن في أن الصناعة برمتها جديدة وبالتالي فإن معظم المديرين ليست لديهم الدراية الكافية بتسيير مثل هذه الصناديق، وقال "المستثمر من حقه معرفة من يدير أمواله والحجة القائلة بعدم نشر أسمائهم لعدم تعرضهم لضغوط من الناس أعتبرها (كلاما فارغا) فلماذا لا نقول إن حجب الأسماء بسبب عدم وجود الكفاءات المؤهلة!" "حتى في بعض الأحيان يتم إخفاء محتويات الصناديق الاستثمارية ولا تعرف ما يوجد بداخلها، هناك غياب كبير للشفافية، وما حدث من تدهور لهذا القطاع كان أهم أسبابه سوء الإدارة وغياب المعلومات والحقائق على الناس، وهناك من يشكك ما إذا كان هناك استثمار تقوم به هذه الصناديق فعلاً، البعض يقول إن البنوك تأخذ النقود وتضعها جانباً، وبما أن السوق نازل يعاد التقييم وانتهى الموضوع، ومن يستطيع معرفة هذه النقطة المحاسب الخارجي وهيئة سوق المال فقط". في غضون ذلك، يرى الدكتور علي التواتي أستاذ الاقتصاد والتمويل في كلية إدارة الأعمال في جدة, أن بدايات مديري الصناديق الاستثمارية في البنوك السعودية كانت متواضعة إبان الطفرة التي انتهت بانهيار 2006 الشهير، وقال التواتي "لم يكن هؤلاء المديرون مؤهلين ولم يكونوا يمتلكون الاحترافية في إدارة الصناديق الاستثمارية، كانوا أشخاصا عاديين مدربين تدريبا بسيطا على البورصات، أما اليوم وبعد انخفاض الأعمال في بعض الدول الخليجية المجاورة مثل دبي والكويت، استقطبت المؤسسات والبنوك السعودية عديداً من الكفاءات المالية العالية جداً لإدارة الصناديق الاستثمارية والذين يملكون قدرا كبيرا من التأهيل الذي يمكنهم من الإدارة السليمة". ولفت التواتي إلى أن مدير الصندوق يجب أن يكون دارسا لإدارة الثروات المتضمنة إدارة المخاطر والقدرة على معرفة الدورات الاقتصادية (القمم والقيعان) متى تبدأ ومتى تنتهي، ويجب أن يجمع بين أساسيات الاقتصاد الكلي والقدرة على التحليل الفني وإدارة المخاطر وإدارة الأصول. فيما يشير الدكتور علي إلى أن عدم الإفصاح عن أسماء مديري الصناديق الاستثمارية يعد نقطة إيجابية، مرجعاً السبب إلى أن هؤلاء المديرين يعملون في بيئة عالية الخطورة ومهددة بالخسائر وبالتالي من الممكن أن يسبب ذلك لهم مشكلات مع عامة الناس من الذين لا يفهمون طبيعة عملهم، ويؤكد التواتي أن هذا التوجه لا يتناقض مع مبادئ الشفافية والإفصاح لأن الشفافية تتعلق بالأعمال والأداء وليس بالأسماء كأشخاص الذين من الممكن أن يتعرضوا للأذى الجسدي في حال كانت النتائج غير مرضية لبعض المستثمرين. سرعة اتخاذ القرار وفي تقرير أعدته "أبحاث مباشر" يقول الدكتور توفيق السويلم مدير "دار الخليج للبحوث والاستشارات"، إن الصناديق الاستثمارية مجرد منظومة قانونية لعملية استثمارية داخل السوق وبالتالي تعد جزءا أساسيا من عمل وأداء السوق لذا فإنها تتأثر دوما بأداء السوق نموا وانخفاضا. ويتابع السويلم أن المحصلة النهائية لكل التصنيفات الاستثمارية المتعارف عليها سواء صناديق استثمار أو ودائع أو شركات وساطة مالية أو مضاربة تعمل وفق منظومة السوق، مشيرا إلى أن الصناديق الاستثمارية قبل عامين بعد الإخفاقات التي عانتها السوق كانت أحد الحلول الاستثمارية لمعالجة هذه الإخفاقات إلا أنها الآن لم تعد كذلك وفق متطلبات المرحلة الحالية التي تحتاج إلى إعادة صياغة هذه الحلول وابتكار حلول أخرى تكون قادرة على مواكبة ما يحدث في السوق. ولم يستغرب الدكتور توفيق ما تعرضت له هذه الصناديق من انخفاضات كبيرة باعتبارها تمثل قضية عالمية لعب كبار المستثمرين العالميين دورا فيها رغم عدم جودهم في السوق المحلية. وأشار إلى أن أكبر نقطة ضعف تواجه الصناديق الاستثمارية حاليا تتمثل في بطء السرعة في اتخاذ القرار عند عملية البيع والشراء، حيث هنالك بطء في سرعة متابعة نزول وصعود السوق واتخاذ القرار في حينها حتى يكون للكفاءات التي تدير الصناديق الاستثمارية دور في تعويض الخسائر التي تتعرض لها السوق. وأضاف أن البنوك المحلية عبارة عن مؤسسات عملاقة ذات عقلية بطيئة، عكس البنوك الغربية التي توكل إدارة ومتابعة الصناديق الاستثمارية لمديري البنوك أنفسهم حتى يتمكنوا من اتخاذ القرار في الوقت المناسب. وأكد أن البنوك المحلية لديها كفاءات وخبرات متراكمة سواء وطنية أو أجنبية متخصصة في إدارة هذه الصناديق، إنما تنقصها سرعة اتخاذ القرار. وأشار إلى أن العالم اليوم في خطين، الأول يمثله القطاع الخاص الذي يتحرك بسرعة عالية بعيدا عن عقلية القطاع العام وهذه حقيقة معترف بها في جميع دول العالم وليست مقصورة على السعودية فحسب، لذا لا بد من أن يتحرك القطاعان بالسرعة العالية في اتخاذ القرار حتى نتمكن من السبق والتحدي. أما الخط الآخر فهو يتعلق بوجود معايير مهنية متخصصة قادرة على اتخاذ القرار وهما شرطان أساسيان لنجاح أي عملية استثمارية بصفة عامة أو إدارة الصناديق الاستثمارية بصفة خاصة. من جهته، أوضح حميد العنزي مصرفي سعودي أن هناك صناديق استثمارية مفتوحة يكون لها رأسمال في حدود معينة ويفرض على المستثمرين أيضا دفع رسوم أسبوعية أو شهرية حسب سياسة كل بنك. وهناك صناديق الاستثمار مغلقة وغالبا ما تكون متخصصة في مجال العقار حيث تعمد هذه الصناديق لشراء الأراضي وتطويرها وإعادة بيعها وهي غالبا ما يكون رأس المال فيها محددا. كما أن هنالك صناديق استثمار أخرى أنشئت لغرض محدد كشراء شركة معينة وإعادة استثمارها أو للاستثمار في الأسواق العالمية الأخرى التي من بينها سوق المال والأسهم. وأشار إلى أن الصناديق الموجودة لدى البنوك تعتبر قليلة وتعاني ضعفا في السيولة المتوافرة لديها. وأضاف أن أداءها خلال الأشهر الماضية لم يكن بالشكل المطلوب نتيجة عدم توافق بين المنتج (الصندوق الاستثماري) وطبيعة السوق التي تعتمد على المضاربة في المقام الأول، فالسواد الأعظم من المستثمرين أصبحت لديهم قناعة بأن هذه الصناديق لن تحقق لهم أرباحا مجزية أو على أقل تقدير حماية مدخراتهم. الصناديق ليست للمضاربة وبين أن هذه الصناديق غير مصممة أصلا للمضاربة، ولا تلجأ البنوك إلى فرض رسوم استرداد للمبالغ المستثمرة ورسوم اشتراك عند الدخول فيها بهدف الحد من عملية المضاربة في وحدات هذه الصناديق. وقال "من الطبيعي أن تخسر هذه الصناديق باستمرار" باعتبار أن مجال عملها محدد حسب اشتراطات وضوابط مؤسسة النقد للعمل في الأسهم المحلية . وحسب هذه الضوابط ـ إضافة إلى الشروط العامة الإجرائية الأخرى ـ فإنه لا يسمح للعميل الواحد بامتلاك أكثر من 10 في المائة من قيمة الصندوق حتى لا يتأثر في حال خروجه من الصندوق. وأشار إلى أنه كان من المفترض أن تكون هذه الصناديق ملاذا آمنا للمستثمرين في حال نزول السوق، وتحقق أرباحا في حال نموها، ولكنها أصبحت تخسر بما يعادل خسائر السوق أو أكثر. وأرجع ذلك إلى خلل في عمل وأداء السوق سواء طبيعة الشركات المدرجة أو مزاجية المتداولين، التي تميل للمضاربة أكثر منها إلى الاستثمار. ويعتقد أن الصناديق غير مطالبة بتحقيق أرباح في حال تعرض السوق لخسائر وإنما أن تعمل على حماية مدخرات المواطنين. وأكد أن البنوك المحلية لديها الكفاءات القادرة على إدارة هذه الصناديق وإنما هنالك خلل في أداء وطبيعة السوق، خاصة أن المنتجات "الصناديق" التي تسوقها البنوك تعد مجزية للغاية، بيد أنها لن تكون جاذبة إلا إذا طرأ تحسن ملموس على أداء السوق. المستثمرون في سوق الأسهم في المقابل، يعتقدون أن صناديق الاستثمار مسؤولة بالدرجة الأولى عن حماية استثماراتهم والحد من تعرضها للمخاطر، ولا يرون حاجة للصندوق عندما تتساوى المخاطر فيه مع التعامل مباشرة في السوق. الأسئلة التي تفرضها وقائع السوق حاليا، يتصدرها في المقام الأول: هل تتنبه صناديق الاستثمار ومديروها في السوق المحلية لملاحظات المصرفيين والمستثمرين؟ وهل تعمل الشركات المالية (البنوك وشركات الوساطة) على تأهيل مديري الصناديق لتلبية استحقاقات المستثمرين؟

ليست هناك تعليقات: